ما هي الأصوليه
إن عالم اليوم محكوم في مساره بعالم الغد ، لأن الغد هو المستقبل و هو نقطة
البدايه ، و ذلك لأن التاريخ يتحرك من المستقبل و ليس من الماضي .
فما هو المستقبل ؟
ثمة مصطلحات بدأت تشيع اليوم منها الكونيه و الكوكبيه و الأعتماد المتبادل
، الكونيه هي أسلوب تفكير يحاول فهم الكون أو بالأدق فهم الواقع في كليته ، و رد
الجزئيات لهذه الكليه ، فتتأسس رؤيه كونيه لا تقبل الغلق ، و إنما تظل مفتوحه و
ناقده لذاتها 0
أما الكوكبيه فناشئه عن الكونيه ، و هي تعني النظر إلى الكوكب الأرضي كوحده
، و ليس كمركب من أجزاء مستقله .
و لهذا فالأعتماد المتبادل لازم من الكوكبيه ، و هو يعني نفي التبعيه ، و
نفي المفهوم التقليدي للأستقلال ، أي نفي السلطان المطلق للدوله ، و بالتالي لم
يعد حل المشكلات الإقليميه مثل الأنفجار السكاني و تلوث البيئه إلا في إطار
الكوكبيه .
و أمتد الأعتماد المتبادل للمشكلات العلميه و نشأت علوم بينيه التي تشكل
جسراً بين علم و آخر بحيث يمكن في النهايه تحقيق وحدة المعرفه في إطار وحدة الكون
.
إن العقل الإنساني ينزع بطبيعته نحو توحيد المعرفه الإنسانيه ، و هو من أجل
ذلك يتجول في كل مجال من مجالات هذه المعرفه ، ثم هو يضمها جميعاً ، و نزوع العقل
نحو التوحيد هو نزوع نحو المطلق ، و الإنسان ينشد الحقيقه المطلقه كذلك بحكم
إحساسه بعدم السكينه في هذا الكون المجهول .
بيد أن لأقتناص الحقيقه المطلقه لم يكن بالأمر الميسور . فقد تعددت الحقائق
المطلقه و بالتالي تعدد المطلق و تعدد المطلق تناقض في الحدود بحكم أن المطلق واحد
، ولا يمكن أن يكون إلا كذلك . و من ثم فالإنسان إما مالك للحقيقه المطلقه أو مجرد
منها أو باحث عنها .
في القرن الخامس قبل الميلاد أنكر أنكساغوراس الطبيعه الإلهيه للأجرام
السماويه ، و ذهب للقول أن القمر أرض فيه جبال و وديان ، فأنكر ملاك الحقيقه
المطلقه الذين يؤمنون بأن كل ما هو سماوي هو إلهي ، فأتهم بالإلحاد وتم الحكم عليه
بالإعدام و لكنه غادر أثينا و لم ينفذ الحكم .
عام 450 ق.م قدم إلى أثينا بورتاغوراس و نشر كتاب أسمه "الحقيقه"
عرض فيه أن الانسان هو المقياس للأشياء جميعاً ، أي أن الحقائق نسبيه بنسبية
الإنسان و رتب على هذه العباره جمله أخرى " لا أستطيع أن أحكم إذا كانت
الألهه موجوده أم لا ، فإن أمور كثيره تحول بيني و بين هذا العلم أخصها غموض
المسأله وقصر العمر" . فأتهم بالالحاد و حُكم عليه بالأعدام ولكنه لاذ
بالفرار .
أما سقراط فكان يعتقد أن حكمته تقوم بعلمه بجهله بينما غيره جاهل يدعي
العلم ، فمضى يحاور السياسين في حلقات واسعه ، فلا يلبث أن يبين لهم أنهم لا
يعلمون شيئاً ، و أن ما يعلمونه إما ظن أو إلهام إلهي و كلاهما لا علاقه لة بالعلم
، فأُتهم أنه يُنكر الألهه فحُكم عليه بالأعدام و قبل سقراط الحكم
في القرن الثاني عشر دعا ابن رشد إلى حق الفيلسوف في تأويل النص الديني بما
يتفق و طبيعة البرهان العقلي ، و يعرف ابن رشد التأويل "إخراج اللفظ من
الدلاله الحقيقيه إلى الدلاله المجازيه" . و يقول ابن رشد لا إجماع مع
التأويل ولهذا يمتنع تكفير المؤول . كُفر ابن رشد و حوكم و أحرقت مؤلفاته و نفي
إلى قرية اليسانه .
في القرن السابع عشر اعلن جاليليو انحيازه لنظرية كوبرنيكس التي تنص على
بقاء اكبر الاجرام السماويه ثابتا و تتحرك حوله الاجرام الاصغر و هذا يعني ان
الارض تدور حول الشمس . فأتهم جاليليو بالخروج عن الدين و حوكم من قبل محاكم
التفتيش او بالاحرى ملاك الحقيقه المطلقه .
في القرن السابع عشر ايضا نُشِرت رسالة تسامح للفيلسوف الانجليزي جون لوك يشجب
المتعصبين ، لأن التسامح عند جون لوك هو نظريه في المعرفه تدور على محدودية العقل
، ويخلص منها الى ان المعتقدات الدينيه ليست قابله للبرهنه ، و لا لغير البرهنه .
فهي معتقد اما يؤمن به الانسان او لا يؤمن به ، لذلك يُرفض الاضطهاد بأسم الدين.
في القرن الثامن عشر حيث ذاعت فلسفة التنوير يقول كانط ان العقل البشري اما
يمتلك الحقيقه المطلقه او في طريقه لاقتناص هذه الحقيقه ،إذا استطاع ان يقتنصها لم
تصبح مطلقه بل تصبح نسبيه
ما هي الدوجماطيقيه ؟
الدوجما كلمه اصلها يوناني و تعني القاعده او المبدأ ، و لكنها استخدمت بعد
ذلك بمعنى الحقيقه للتعبير عن قرارات المجامع المسيحيه ، و الذي من ينكرها يتهم
بالكفر و الهرطقه ، وكذلك في الاسلام نشأ علم الكلام الذي هو علم التوحيد المقابل
لعلم التثليث ، و في علم الكلام "التوحيد" الله هو الفاعل الوحيد و من
ينكر ذلك فقد كفر .
و تلازم الدوجما عملية تحجر ثقافي نتيجة حظر التفكير في قضايا معينه و
بالتالي يؤدي ذلك الى تخلف الأمم .
نتيجة ثقافة التنوير التي شاعت في القرن السابع عشر ظهرت نظريات العقد
الإجتماعي و اشهر رموزها جان جاك روسو حيث قال في كتابه "أن العقد الإجتماعي
ينزل بمقتضاه كل فرد عن نفسه و عن حقوقه للمجتمع . و بمقتضى هذا العقد يصبح الكل
متساوين في ظل القانون. و من ثم ينتهي الحكم الإلهي للحاكم .
لادموند بيرك من رموز الدوجماطيقيه في أوروبا ، فقد نشر كتاب أسمه
"تأملات في الثوره في فرنسا" عام 1790 جاء فيه :
- الحريات من ثمار الوراثه تنتقل من الاجداد للاحفاد و بالتالي لا يعترف
بما يسمى الحق العام .
- الابداع ثمرة الانانيه و الوراثه هي المحافظه على الاتصال بين الأجيال
- التعليم المدني الذي يستند الى حاجات الفيزيقيه للبشر هو ضربا من الالحاد
- و بالطبع نظريات العقد الاجتماعي في نظر بيرك مجرد اساطير ، فالبشر في
البدايه كانوا مجرد همج حتى اعزهم لله بالدين و طاعة الدوله مُلزِمه مادامت لم
تخرج عن شرع الله !!
و هذا المعنى ينطوي على شيئين
مهمين جدا :
حماية المجتمع و الملكيه الخاصه
حماية النظام السياسي القائم
و قد فعلت بريطانيا كذلك في عمليات الإصلاح الداخلي التي تمت فيقول "
لقد قررنا المحافظه على الكنيسه القائمه ، و المحافظه على الملكيه القائمه ، و
الأرستقراطيه القائمه "
نستنتج أن بيرك كان ضد كل هذه الأفكار :
1 إن العقل المجرد هو المسار الطبيعي للتطور
2 الإنسان خير بطبيعته لكن المؤسسات الإجتماعيه هي التي أفسدته
3 تقاليد البشريه اساطير خادعه
4 قدرة البشر على التقدم لانهائي
5 غاية المصلح الأخلاقي تحرير الانسان من العقائد القديمه و المؤسسات
القديمه
أي انه ضد التنوير بشكل عام
ما الأصوليه ؟
هذا اللفظ مشتق لغويا من اصول و هو ترجمه لكلمة "Fundamentalism"
التي
اشتقت من كلمة اساسي "Foundation" أي أساسي . وقد ظهر هذا
المصطلح في بدايات القرن العشرين بعد طبع كتب كنسيه بأسم الاصول في الفتره من 1905
الى 1915 بلغ عددها ثلاث ملايين نسخه وزعت على الكهنه و أبرز ما فيها من أفكار:
أصول الايمان مثل جهنم و مجئ المسيح
مهاجمه تيار نقد الانجيل
نقد النظريات العلميه خصوصا نظرية داروين
و كانت الأصوليه المسيحيه في امريكا مشغوله بالحرب مع السوفييت و العداء مع
الكفار الشيوعين "حسب وجهة نظرهم" و في الداخل الهجوم على القييم
الليبراليه في امريكا و قد تأسست ثلاث حركات اصوليه من هذا التيار :
الكفيلينيه في الثلاثينات "نسبة للقس تشارلز كفلن"
المكارثيه في الخمسينات"نسبة للسيناتور مكارثي"
جمعية جون برسن في الستينات
أما في الاسلام فأبرز رموزالأصوليه : أبو العلي المودودي ، سيد قطب ،
الخميني
المودودي
افكاره تعتمد على ان الحكومه الاسلاميه الحاكم الحقيقي هو الله و لذلك
الاسلام استخدم لفظ خليفه وهذا يعني انه ادنى يتبع الاعلى ، و الدوله الاسلاميه
دوله ثيوقراطيه ديمقراطيه ، و ان العلمانيه خطأ لانها تعني فصل الدين عن الدوله أي
لا وجود للاخلاق .
اما سيد قطب فقد كفر العالم كله و قال ان المجتمعات التي نعيش فيها هي
مجتماعات جاهليه وثنيه حتى المجتمعات الاسلاميه و ان الاسلام يدعو لتحرير العباد
من عبادة العباد الى عبادة رب العباد لذلك وجب قتال من يعادي عملية التحرير و خص
بالذكر العلمانيين !!
أما الخميني افكاره تدور حول :
ربط السلطه السياسيه بالاهداف الاسلاميه ، و وجوب تأسيس الوله الاسلاميه و
ولاية الفقيه .
نقطه مهمه جدا في فكر الخميني من الناحيه الفلسفيه
مواصفات الحكومه الاسلاميه "أن تستند للشريعات الإلهيه و ليس للإراده
الانسانيه ، الحاكم هو الفقيه العادل" ، أي ان المطلق الاصولي عند الخميني
متجسد في الفقيه العادل ، ومن ثم يتطابق النسبي مع المطلق النسبي ، وذلك باحالة كل
ما هو نسبي لمطلق ، أي مطلقة النسبي و أي نسبي يتبقى لابد من إزالته لأنه سيشكل
نتوءاً في عملية المطلقه ، والازاله ليست ممكنه بدون حرب ضاريه .
ماذا عن الاصوليه اليهوديه ؟
الأصوليه اليهوديه متمثله في حركة جوش أمونيم التي تأسست بعد حرب 1967 و من
أهم أفكارها :
إسرائيل دوله مقدسه و أي تنازل عن أي قطعة أرض فيها تعتبر هرطقه ، و طاعة
السلطه تكون في حالة التزام السلطه بالقوانين الاخلاقيه غير ذلك لا تلتزم بالسلطه،
و العالم بالنسبه لها ملوث و يجب اعتزاله .
كل الافكار الاصوليه ترفض الفصل بين الحياه العامه و الخاصه بل تدعو
لإخضاعهما للتشريع الإلهي ،
و العالم في نظرها يجب ان يخضع لمقولات ثلاث العنف – الارهاب – الثوره . و
تهتم بالسيطره على التعليم و الاعلام .
ما العلمانيه ؟
علمانيه ترجمه لكلمه سيكولاريسم secularism الانجليزيه وهي مشتقه من الكلمه اللاتينيه saeculum
سيكولوم و تعني العصر او الجيل او القرن ، اما في العصور الوسطى فأن الكلمه تعني
العالم او الدنيا مقابل الكنيسه ، ويوجد لفظ اخر للاشاره للدنيا وهو اللفظ
اللاتيني mundus
، و لفظ سيكولوم مرادف للكلمه اليونانيه oeon ايون اما لفظ موندوس
فهو مرادف للكلمه الونانيه كوزموس cosmos وهي تعني الكون مقابل chaos كيوس اي فوضى .
هذه الازدواجيه في اللغه اليونانيه افضت لمشكله لاهوتيه ، و هي الخلاف
الحاد بين الرؤيه المكانيه للعالم"حيث ان العالم موجود في مكان و الاحداث تمر
داخل العالم ، لكن لا شئ يحدث للعالم ، لذلك ليس عندهم تاريخ للعالم" عند
اليونانيين و الرؤيه الزمانيه للعالم"حيث ان العالم في جوهره تاريخ اي ان
العالم متزمن" عند العبرانيين.
و قد انتقل هذا التناقض للقرون الوسطى و ذلك بتقديم العالم المكاني او
الديني على العالم الزماني او العلماني ، وحصر كلمة علماني في معنى ضيق جدا مثل
اطلاق للفظ على الكاهن الذي يترأس ابريشيه فيقال لقد تعلمن الكاهن ، و بعد استقلال
الامبراطور عن بابا روما اتسع قليلا و اصبحت العلمانيه هي فصل الدين عن السياسه .
و النقله الفكريه للعلمانيه ظهرت بعد عام 1543 حيث اصدر نيقولا كوبرنيك
كتاب أسمه في دوران الافلاك السماويه ، وذكر فيه ان بقاء اكبر الأجرام ثابتاً على
حين تتحرك حوله الأجرام الصغرى أفضل من دوران الأجسام جميعاً حول الأرض . و هكذا
لم يعد الإنسان مركز الكون ، و لم يعد الكون متصورا على دورانه حول الإنسان .
و أي صراع بين الدين و العلم يجب ان يترك الدين مكانه لصالح العلم ، ولذلك
حركة الاصلاح الديني بزعامة مارتن لوثر ارتكزت على هدم ثلاث اسوار :
1 تحكم السلطه الدينيه في السلطه العلمانيه
2 احتكار فهم النص الديني لرجال الدين
3 حصانة البابا
جزء من مقال لكانط بعنوان جواب عن سؤال : ما التنوير ؟ نشر عام 1784
إن التنوير هجرة الإنسان للارشد ، و اللارشد هو علة هذه الهجره . و اللارشد
يعني عجز الإنسان عن الإفاده من عقله من غير معونة الآخرين . كم أن اللارشد سببه
الإنسان ذاته هذا إذا لم يكن سببه نقصاً في العقل ، و إنما نقصاً في التصميم و
الجرأه في إعمال العقل من غير معونة الآخرين . كُن جريئاً في إعمال عقلك . هذا هو
شعار التنوير . فالكسل و الجبن هما السببان في بقاء معظم البشر في حالة اللارشد
طوال حياتهم ، مع أن الطبيعه قد حررتهم من الإعتماد على الآخرين . بل هما السببان
في تسهيل الأمر للآخرين . إنه يطيب لنا أن نكون من غير الراشدين ، بل يطيب لنا أن
يكون الكتاب بديلاً عن عقلي ، و الكاهن بديلاً عن وعي ، و الطبيب مرشداً لما ينبغي
تناوله من طعام . و ليس ثمة مبرر للتفكير إذا كان في مقدوري شراؤه ، فالآخر كفيل بتوفير جهدي . إن الغالبيه
العظمى من البشر ( و من بينهم الجنس اللطيف برمته) تدرك أن الطريق إلى الرشد ليس
فقط وعراً بل محفوفاً بالمخاطر .و لهذا السبب فإن هؤلاء الأوصياء قد تكفلوا
برعايتهم رعايه جمه ، و حذروهم من الإعتماد على أنفسهم ، و ذلك بعد إحالتهم
لأغبياء ، و منعوا هذه الكائنات المسالمه من ترك المشايات التي إعتادوا إستخدامها
. و مع ذلك فالخطر ليس دائماً . فهم سرعان ما يقعون على الأرض و يتعلمون كيف يمشون
. و لكن إذا ما حدث ذلك مرة واحده فإنه كفيل بإدخال الفزع و تثبيط الهمه من إعادة
المحاوله و من ثم فإنه من العسير على الإنسان
العثور على مخرج من اللارشد الذي يتحول إلى نوع من الغرزيه الطبيعيه ، بل
يصبح اللارشد محبباً إلى الإنسان . و من ثم يكون الإنسان غير مؤهل لإعمال عقله ،
لأنه محروم من محاولة إعماله . فثمة قواعد و صيغ معينه ، و أدوات آليه للممارسه
السيئه لمواهب الإنسان الطبيعيه ، و هي حجر الزاويه لهذا اللارشد الدائم إلا أنه
يقفز قفزه ، لا تخلو من المخاطر ، فوق فجوه ضئيله ، لأنه لم يتدرب على مثل هذه
الحركه الحره . و لهذا فثمة نفر من البشر كان قادراً على تحرير ذاته من اللارشد و
على السير قدماً بخطى ثابته و ذلك بمجهود ذاتي .
إن التنوير ليس في حاجه إلى الحريه ، و أفضل الحريات خلواً من الضرر هي تلك
التي تسمح بالاستخدام العام لعقل الإنسان في جميع القضايا .
و هنا قد أسمع أصواتاً تنادي قائله : لا تفكر . يقول الضابط : لا تفكر بل
تدرب . و يقول الممول : لا تفكر بل إدفع . و يقول الكاهن : لا تفكر بل قل آمين . و
لكن ثمة سيد واحد في العالم ينادي قائلاً : فكر كما تشاء و فيما تشاء ، و لكن أطع
! و معنى ذلك أن الحريه مقيده . و لكن ما القيد الذي يعرقل التنوير ؟ بل ما الذي
لا يقيد التنوير ؟ جوابي على هذا النحو الآتي :
حرية الإستخدام العام للعقل . و هذه الحريه هي التي تنير البشر . أما
الإستخدام الخاص فقد يكون مقيداً ، و لكنه لن يكون مانعا من تقدم التنوير ، و أعني
بالإستخدام العام للعقل إستخدام الأديب لعقله بالنسبه إلى القراء جميعاً . و أعني
بالإستخدام الخاص إستخدام الإنسان لعقله
في وظيفته المدنيه .
العلمانيه عند كوكس تعني انتقال المسؤليه من الكنيسه للسلطه السياسيه ، و
هي عمليه تاريخيه يتححر المجتمع فيها من القبضه الدينيه و الرؤيه الميتافيزيقيه ،
و الانسان ما قبل العلماني يحيا في عالم من الارواح بين الخير و الشر و الواقع
عنده مشحون بقوه سحريه ، و السحر هنا رؤيه كونيه ، و الاديان السومريه و المصريه و
البابليه ليس الا شكل من اشكال السحر توحد بين الانسان و الكون ، اما الانسان
العلماني فقد نشأ بعد ظهور اليهوديه حيث انفصلت الطبيعه عن الله و انفصل الانسان
عن الطبيعه .
الاصوليه و العلمانيه في الشرق الاوسط المعاصر
الفكر اللائيكي الغربي يرتكز على
اربعة عناصر اساسيه للحياه الانسانيه الاقتصاد و العداله و التعليم و
السلطه السياسيه ، ولذلك العلمانيه تستنتد إلى فصل الدين عن المجتمع بالتعليم
اللائيكي و تأسيس سلطه سياسيه لا تستند على الشريعه و إقامه اقتصاد يعتمد على
الربح و استبعاد الدين تماما من الحياه .
و هذا تسبب في مقاومه عنيفه في البلاد الاسلاميه لذلك وجب عليها التنازل
قليلا من هذه الافكار لانجاح المشروع العلماني .
و هدف كل التيارات الاصوليه في الاسلام :
1اعاده بناء المسلم الفاضل
2 محاربه اعداء الاسلام
و الخطوط العريضه لأفكار الجماعات الاصوليه الجديده :
1 الاقتصاد الاسلامي هو الطريق الثالث بين الشيوعيه و الرأسماليه ، ويستند
الى الميراث و الزكاه و اللغاء الربا
2 الدوله الاسلاميه الشريعه فيها هي القانون الاعلى و الحكام من الصالحين .
و يرى عادل ضاهر ان نقاشات العلمانين مع الاصولين تتجاهل المشكلات المعرفيه
و الاكتفاء بالرد عليها سوسيولوجيا تاريخيا ، ولذلك نسى العلمانيون حجة الاصولين
الرئيسيه و هي العجز عن ادارة شؤن العالم بدون الارشاد الالهي .
و استعانه بعض العلمانين بأمثله دينيه لتبرير ان اداره شؤن الحياه شأن
انساني و ليس إللهي لا ضرر فيه و لكنها غير حاسمه لأن هناك أمثله أخرى من القرآن و السنه تؤيد مزاعم الاصولين ،
بالاضافه للأدله التاريخيه في صالح الأصولين .
و يضيف عادل ضاهر أن هناك حجه حاسمه و هي رفض النظريه المعرفيه الكامنه في
الأصوليه التي تعتمد على ضرورة الارشاد الالهي في حياة الانسان .
الاصوليون يريدون تحويل ما هو تاريخي الى ما هو منطقي ، فموقفهم على أن
معرفة تنظيم شؤن الدنيا يعتمد على المعرفه الدينيه ، و هذا يعني ان معرفة الانسان
العمليه يكمن في المعرفه الدينيه ، و هنا نثير ثلاث اسئله :
ما هي العناصر الاساسيه للمعرفه العمليه ؟
ما هي المعرفه الدينيه ؟
هل أي من عناصر المعرفه العمليه له أساس في المعرفه الدينيه ؟
المعرفه العمليه هي معرفة الغايات و الوسائل ، اذا اردنا تنظيم مجتمع تنظيم
اشتراكيا او رأسماليا علينا معرفة الغايات من هذا التنظيم و معرفة الوسائل التي
تحقق هذه الغايه ، و معرفة الغايات معرفه معياريه و نهاية المطاف هي أخلاقيه ، لأن
المطلوب معرفته اي الأمور في ذاتها خير للمجتمع ، و معرفة الوسائل معرفه علميه أو
بالأدق معرفه تطبيقيه ، و معرفة الغايه تتطلب معرفه علميه نظريه . و هكذا يمكن
القول ان المعرفه العلميه النظريه متضمنه في المعرفه العمليه ، و قد تكون
سوسيولوجيا اذا كانت مرتبطه بالمجتمع أو فيزيقيه اذا كانت مرتبطه بالبيئه
الفيزيقيه ، المعرفه العمليه ذات طابع سوسيولوجي و فيزيقي و معياري و اخلاقي .
و الموضوع النهائي للمعرفه الدينيه هو الله ، فهو سرمدي و خير و مصدر
الاخلاق و تزيد هذه المعرفه من تحديد صفات الله لأن كل شئ من هذا يفيض من ماهية الله
أو بمعنى أخر ماهية الله التي تحدد صفاته و افعاله و مقاصده ، فاذا قلنا انها
ضروريه فلا يمكن ان يكون الله غير حائزا لها ، لذلك لا يمكن ان تكون المعرفه
العمليه تجد أساسها في المعرفه الدينيه ، اذ تبدو هي ممكنه و لكنها ليست ضروريه ،
و ليس في الامكان تأسيسها الا في قضايا من طبيعتها و لا يمكن استنتاجها من قضايا
دينيه لأن هذه ضروريه ، و الضروره خاصيه موروثه منطقيا ، و الموروث منطقيا معناه
انتقال نوع الخاصيه الوارد في المقدمات لابد ان ينتقل للنتيجه اذا كان الاستدلال
صحيحا
و المعرفه العمليه يمكن ان تكون كاذبه او صادقه ، و بإمكاننا تحديد ذلك ،
فاذا كانت المعرفه العلميه ضروريه يحد من قدره الله ، فاذا كانت المعلولات تفيض
بالضروره من عللها فان الموجود الذي يخلق نسقا من العلل لن يسمح لاخر بما فيه ذاته
من تعليق هذا النسق .
اي ان المعرفه العمليه هي معرفه احتماليه تحتمل الصواب و الخطأ و المعرفه
الدينيه معرفه ضروريه ، لذلك من التناقض القول بان اساس المعرفه العمليه يكون في
المعرفه الدينيه .
و هناك مسلمه أخرى تقول بان مفهوم الله في حد ذاته مفهوم معياري و هذا
في الاسلام ، الله بالضروره هو الموجود الوحيد الذي يستحق العباده ، موجود كهذا من
الضروري ان يتصف بالكمال الخلقي بالاضافه للصفات الأخرى ، و يلزم من هذا اننا ليس
بالامكان معرفة الله الا بتحديد المعايير الصحيحه للتمييز بين الخير و الشر و هذا يدل على أن الاخلاق سابقه للدين من
الوجهه الدينيه و ان لم يكن ذلك من الناحيه التاريخيه ، و نصل الى ان المعرفه
العمليه ليس لها اساس في المعرفه الدينيه
إزاء هذه المعضله المعرفيه يهرب الأصولي لمسأله ان الموضوع ليس له علاقه
بالمعرفه و انما هي مجرد طاعه من المخلوق للخالق ، بالتالي أمر الله تنظيم المجتمع
على مبادئ الاسلام ، هذا لا يمكن ان يستقيم مع العقيده الالهيه إذ انها تنزع الصفه
المعياريه للعقل التي يقرها الاسلام ، فاذا كانت المعرفه الخلقيه لازمه لمعرفة
الله لزم ان تكون وظيفة العقل معياريه و من شأن هذه الوظيفه ان يكون العقل قادرا
على تحديد الغايات بدون معونه من الله .
المطلق الاصولي و العلمانيه في الشرق الاوسط
كانط اول من ادخل مفهوم المطلق في كتابه نقد العقل الخالص حيث يقول ان
العقل يعجز عن معرفة بعض الامور المفروضه عليه ، و هذه المسائل تدور حول المطلق
سواء كان الله او الدوله ، و الفلسفه هي قصة هذا العجز او الوهم في حالة البحث عن
اقتناص المطلق . و هيجل يرى ان الطبيعه تكشف عن المطلق و هو في حالة اغتراب عن
ذاته ، انه مجال تنفصل فيه الاشياء عن ذاته متوهمه انها أنها قائمه بذاتها ، و
المطلق الاصولي محايث للتاريخ فهو باتر للمستقبل يعيش في الماضي .
و المطلق الاصولي نقيض للعلمانيه التي تدعو للتفكير في النسبي بما هو نسبي
، لذلك ظهر تيار معاصر "الانسانيه العلمانيه " و مبادؤه :
1 البحث الحر " حق الاختلاف في كل شئ"
2 فصل الكنيسه عن الدوله
3 الحريه "بالنسبه للدين و الحكومه"
4 الاخلاق اساسها العقل الناقد
5 التربيه الاخلاقيه بدون الاستناد لاحكام مطلقه
6 الشك الديني و رفض التفسير الحرفي للدين
7 العقل
8 العلم و التكنولوجيا
9 التطور
10 التعليم
الأصوليه و ما بعد الحداثه
يعرف دانيل بل الحداثه " الابتعاد عن سلطان الماضي ، و تقلص المجال
المقدس ، و الاخذ بالروح الفاوستيه في المعرفه الشامله" . و الاصوليه هي ضد الحداثه
.
هل ما بعد الحداثه ضد الحداثه ؟
لفظ " ما بعد" يعني الاتصال دون انفصال ، فمثلا لا يمكن فهم ما
بعد الطبيعه بدون فهم الطبيعه ، بيد ان الاتصال لا يعني اتساق فربما يعني انفصال .
الحداثه في قاموس اكسفورد هي المناهج الجديده ، الاعتقاد في العلم و
التخطيط و العلمانيه و التقدم و اشتهاء التماثل و النظام و التوزان . و بهذا يمكن
رد الحداثه لبيكون و ديكارت ، وضع بيكون منطقا جديدا لتكوين عقل يتطهر من الاصنام
يسميها"اصنام العقل" و هي :
1 اصنام القبيله : ناشئه عن تعميم الانسان لبعض الحالات دون الالتفات
لحالات معارضه لها .
2 اصنام الكهف : حيث ان كل انسان يعيش في كهف خاص به و ينظر منه للعالم
3 اصنام السوق : ناشئه عن الفاظ موضوعه لاشياء غير موجوده
4 اصنام المسح : ناشئه عن الاخذ بالنظريات المتوارثه بنفوذ جارف .
و بعد عملية التطهير نلجأ للاسلوب الاستقرائي الذي يستند للتجربه .
أما ديكارت فيدعو الى التزام العقل بالافكار الواضحه و الى الشك في كل
المعارف الانسانيه ، فاذا الشك كان تفكير فانا افكر ، و لما كان التفكير و وجودا
فانا موجود ، اي انا افكر اذا انا موجود .
ما بعد الحداثه عند جان بوفري هي ضياع الانسان و اصبح بلا مأوى و النزعه
الانسانيه هي السبب الاساسي للدمار و الحروب ، اما نيتشه فقد نقد عبادة العقل و
اعتبر ان المنطق الناتج من العقل هو وهم و مبادئ العقل هي من اختراعه ثم يزعم انها
قوانين وجود . جيرالد جراف يرى ان ما بعد الحداثه اللاعقلانيه لأنها ترفض التحليل
و التأويل ، و هي تعبر عن أزمه انطولوجيا تدور على فقدان الوعي بالواقع الخارجي .
نصل الى ان الاصوليه الدينيه تتشابه مع ما بعد الحداثه في رفضها للتأويل ،
أي انهما يمثلان اللاعقلانيه ، لأن العقل يستلزم تأويل .